ونحن نزيد على هذا، فنقول: إن الذي يؤمن بالله والدار الآخرة لا يخاطر بدنياه الفانية ليربح آخرته الباقية. كلا، إنه بإيمانه يربح الحياتين معًا، ويفوز بالحسنيين في الدنيا والآخرة جميعًا. وصدق الله العظيم: ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ﴾ ، ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ ٱلْـَٔاخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ .
إن العبادات التي فرضها الدين إنما هي وسائل لتزكية نفس المؤمن وترقية روحه، وما أقل ما يُبذل فيها من جهد، إلى جنب ما يكسب وراءها من خير !
وإن المحرمات التي حظرها عليه الدين، إنما صان بتحريمها عقله وخُلقه ونفسه وماله وعرضه ونسله، فهو إنما ﴿ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ .
والدين إذا حرَّم على الناس شيئًا عوَّضهم ما هو خير منه، مما لا يشتمل على مفسدة الشيء المحرَّم.
إن المؤمن لم يخسر شيئًا بعبادة الله سبحانه، واتقائه ما حرَّم الله عليه، وإنما ربح الهدى والاستقامة على الحقِّ، والثبات على الخير، والاستعلاء على الشهوات، وربح بعد ذلك هدوء النفس وطمأنينة الحياة.
وفي عصرنا هذا أصبح الناس يجرون وراء المنفعة لاهثين، حتى إن كثيرًا منهم ليرون الحق فيما ينفعهم، لا فيما يطابق الواقع، أو ما تقوم البراهين على صحته.
وقد قام مذهب برأسه ينادي بأن «المنفعة مقياس الحقيقة». ويصرُّ على أن المهم من كلِّ شيء هو نتائجه، وما يترتَّب عليه من آثار في حياتنا العملية. وعلى أن الصدق ليس هو مطابقة الخبر للواقع، بل انسجامه مع ما يقع، وهكذا، فكل شيء يحكم عليه بما يتبعه من نتائج، فإن كانت هذه النتائج متناسبة مع أغراضنا، ومع ما نريد من مقدماتها، كانت خيرًا وصدقًا وحقًّا. وإن كانت غير ذلك كانت شرًّا وكذبًا وباطلًا، ولا يوصف الفعل بحسن ولا قبح، ولا يوصف القول بالصدق والكذب حتى تعرف ثمرته(1). هذا هو مذهب «البراجماتزم».