والإسلام لا يتصوَّر الإنسان فردًا منقطعًا في فلاة، أو منعزلًا في كهف أو دير، بل يتصوَّره دائمًا في مجتمع، يتأثَّر به ويؤثِّر فيه، ويعطيه كما يأخذ منه، ولهذا خاطب الله بالتكاليف الجماعة المؤمنة لا الفرد المؤمن: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5 ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ 6 ﴾ . لهذا قلنا: إن مقتضى عناية الإسلام بالإنسان العناية بالمجتمع كلِّه، فالإنسان اجتماعي بالفطرة، أو مدني بالطبع، على حدِّ تعبير القدماء.
وإذا كان الإسلام قد عُنِيَ بالمجتمع عمومًا، فإنه عُنِيَ عناية خاصة بالفئات الضعيفة فيه، وهذا سرُّ ما نلاحظه في القرآن الكريم من تكرار الدعوة إلى الإحسان باليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب. يستوي في ذلك مكيُّ القرآن ومدنيُّه. وذلك لأن كلَّ واحد من هذه الأصناف يشكو ضعفًا في ناحية، فاليتيم ضعفه من فقد الأب، والمسكين ضعفه من فقد المال، وابن السبيل ضعفه من فقد الوطن، والرقيق ضعفه من فقد الحرية.
وإذا كانت بعض المجتمعات تهمل هذه الفئات الشعبية الضعيفة، ولا تلقي لها بالًا في سياستها الاجتماعية والاقتصادية، ولا تكاد تعترف لها بحقٍّ لأنها لا تُرْجَى ولا تُخْشَى، وليس بيدها خزائن المال ولا مقاليد السلطان: فإن رسول الإسلام محمدًا ﷺ ، قد نبَّه على قيمة هذه الفئات ومكانها من المجتمع، فهي عُدة النصر في الحرب، وصانعة الإنتاج في السلم؛ فبجهادها وإخلاصها يتنزَّل نصر الله على الأمة كلِّها، وبجهودها وكدحها في سبيل الإنتاج يتوافر الرزق لها.
وإلى هذه الحقيقة يشير حديث النبي ﷺ لسعد بن أبي وقاص، حين قال له فيما رواه البخاري: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟»(1).