ومن هنا حرص الإسلام على أن تكون هذه الفئات الجاهدة المجاهدة: مستريحة في حياتها، مطمئنة إلى أن معيشتها مكفولة، وأن حقوقها في العيش الكريم مضمونة، بحيث يجب أن يوفَّر لكلِّ فرد فيها على الأقل حدُّ الكفاية، بل تمام الكفاية من مطالب الحياة الأساسية، إذا عجز عن العمل، أو قدر عليه ولم يجده، أو وجده ولم يكن دخله منه يكفيه، أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها.
على أن الإسلام لم يغفل من حسابه أن القوي قد تطرأ عليه ظروف تجعله في مركز الضعف والحاجة، لغُرم في مصلحة خاصة أو عامة، أو لانقطاعه عن ماله ووطنه في سفر وغربة، ففرض لهذا النوع من الزكاة ما ينهض بهم إذ عثروا، ويمدُّهم بالقوة إذ ضعفوا.
ولكن ما المورد المالي الذي يحقِّق هذه الأهداف، ويفي بهذه المطالب؟ هنا يأتي دور الزكاة التي جعل الشرع جلَّ حصيلتها لهذه الأغراض الاجتماعية، وهي ليست بالشيء الهين، إنها العشر أو نصفه مما أنبت الله من الثروة الزراعية، وربع العشر من الثروة النقدية والتجارية، ونحو هذا المقدار تقريبًا من الثروة الحيوانية، وخمس ما يُعثَر عليه من الكنوز، بالإضافة إلى خمس الثروة المعدنية والبحرية كما يرى بعض الفقهاء.
ولقد كان من روائع الإسلام، بل من معجزاته الدالة على أنه دين الله حقًّا، أنه سبق الزمن، وتخطى القرون، فعُنِي منذ أربعة عشر قرنًا مضت بعلاج مشكلة الفقر والحاجة ووضع الفقراء والمحتاجين، دون أن يقوموا بثورة، أو يطالبوا ـ أو يطالب لهم أحدٌ ـ بحياة إنسانية كريمة، بل دون أن يفكروا هم مجرَّد تفكير في أن لهم حقوقًا على المجتمع يجب أن تؤدَّى، فقد توارث هؤلاء على مرِّ السنين والقرون أن الحقوق لغيرهم، وأما الواجبات فعليهم!!