ولقد كان من روائع الإسلام، بل من معجزاته الدالة على أنه دين الله حقًّا، أنه سبق الزمن، وتخطى القرون، فعُنِي منذ أربعة عشر قرنًا مضت بعلاج مشكلة الفقر والحاجة ووضع الفقراء والمحتاجين، دون أن يقوموا بثورة، أو يطالبوا ـ أو يطالب لهم أحدٌ ـ بحياة إنسانية كريمة، بل دون أن يفكروا هم مجرَّد تفكير في أن لهم حقوقًا على المجتمع يجب أن تؤدَّى، فقد توارث هؤلاء على مرِّ السنين والقرون أن الحقوق لغيرهم، وأما الواجبات فعليهم!!
ولم تكن عناية الإسلام بهذا الأمر سطحية ولا عارضة، فقد جعلها من خاصة أسسه، وصُلب أصوله، وذلك حين فرض للفقراء وذوي الحاجة حقًّا ثابتًا في أموال الأغنياء، يَكْفُر مَن جَحَدَه، ويَفْسُق من تَهرَّب منه، ويُؤخذ بالقوة ممَّن منعه، وتُعلن الحرب من أجل استيفائه ممن أبى وتمرَّد.
كان ذلك الحقُّ هو الزكاة؛ الفريضة الإسلامية العظيمة التي اهتمَّ بها القرآن والسُّنة، وجعلاها ثالثة دعائم الإسلام.
أهمية موضوع الزكاة:
هذه الفريضة الجليلة ـ الزكاة ـ لها أكثر من وجه يجعل لها أهميـة خاصة.
فهي ـ من جهةٍ ـ عبادة من العبادات الأربع، كالصلاة والصيام والحج، ومن هذا الوجه تقرن في القرآن والحديث بالصلاة، وتأتي بعدها عادة في كتب الفقه في قسم العبادات.
وهي ـ من وجه آخر ـ مورد أساسي من الموارد المالية في الدولة الإسلامية، وهذا يخرجها عن أن تكون عبادة محضة، فهي جزء من النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، ولهذا عُنيت بها كتب الفقه المالي في الإسلام مثل: «الخراج» لأبي يوسف، و«الخراج» ليحيى بن آدم، و«الأموال» لأبي عبيد، و«الأموال» لابن زنجويه، وغيرها. ومثلها كتب السياسة الشرعية، مثل «الأحكام السلطانية» لكل من الماوردي وأبي يعلى، و«السياسة الشرعية» لابن تيمية، ونحوها.