ومعنى هذا: أن كل قادر على الكسب مطلوب منه شرعًا أن يكفي نفسه بنفسه، وأن المجتمع بعامة ـ وولي الأمر بخاصة ـ مطلوب منه أن يعينه على هذا الأمر، الذي هو حق له وواجب عليه. فمن كان عاجزًا عن الكسب ـ لضعف ذاتي كالصغر والعَتَه، والشيخوخة والعاهة والمرض ـ أو كان قادرًا ولم يجد بابًا حلالًا للكسب يليق بمثله، أو وجد ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته، أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها، فقد حلَّ له الأخذ من الزكاة، ولا حرج عليه في دين الله.
هذه هي تعليمات الإسلام الناصعة التي جمعت بين العدل والإحسان، أو العدل والرحمة. أما مبدأ الماديين القائلين: «من لا يعمل لا يأكل»، فهو مبدأ غير طبيعي، وغير أخلاقي، وغير إنساني. بل إن في الطيور والحيوانات أنواعًا يحمل قويها ضعيفها، ويقوم قادرها بعاجزها، أفلا يبلغ الإنسان مرتبة هذه العجماوات؟!
المتفرغ للعبادة لا يأخذ من الزكاة:
ومن الرائع حقًّا ما ذكره هنا فقهاء الإسلام فقالوا: إذا تفرغ إنسان قادر على الكسب لعبادة الله تعالى بالصلاة والصيام، ونحوهما من نوافل العبادات: لا يُعطى من الزكاة، ولا تحل له؛ لأن مصلحة عبادته قاصرة عليه(1). ولأنه مأمور بالعمل والمشي في مناكب الأرض، ولا رهبانية في الإسلام. والعمل في هذه الحال لكسب العيش من أفضل العبادات، إذا صدقت فيه النية، والتزمت حدود الله.
المتفرغ للعلم يأخذ من الزكاة:
فإذا ما تفرغ لطلب علم نافع، وتعذر الجمع بين الكسب وطلب العلم، فإنه يُعطى من الزكاة قدر ما يعينه على أداء مهمته، وما يشبع حاجاته، ومنها كتب العلم التي لا بدَّ منها لمصلحة دينه ودنياه.