وبهذه الآيات انقطعت المطامع، وتبينت المصارف، وعرف كل ذي حق حقه.
روى أبو داود، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله ﷺ فبايعته ـ وذكر حديثًا طويلًا ـ فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله ﷺ : «إن الله لم يرضَ بحكم نبي ولا غيره في الصدقة، حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك»(1).
سِرُّ عناية القرآن بمصارف الزكاة:
لقد نبَّه العلماء الاقتصاديون والاجتماعيون على أن المهم ليس هو جباية الأموال وتحصيلها، فقد تستطيع الحكومات بوسائل شتى الحصول على ضرائب مباشرة وغير مباشرة، وقد يكون ذلك مع رعاية العدل والنصفة، ولكن الأهم من ذلك هو: أين تصرف هذه الأموال بعد تحصيلها؟ فهنا قد يميل الميزان، وتلعب الأهواء، ويأخذ المال من لا يستحقه، ويحرم منه من يستحقه، فلا عجب بعد ذلك أن يهتم القرآن بهذا الأمر، ولا يدعه مجملًا، كما ترك أشياء كثيرة أخرى من الزكاة للسنة، تبينها وتفصلها.
لقد عرف التاريخ المالي ألوانًا كثيرة من الضرائب قبل الإسلام، كانت تُجبى من طوائف الشعب المختلفة، طوعًا أو كرهًا، ثم تجمع في خزانات الأباطرة والملوك، لتنفق على أشخاصهم وأقاربهم وأعوانهم، وفي كل ما يزيد أبهتهم ومتعتهم، ويظهر عظمتهم وسلطانهم، ضاربين عرض الحائط، بكل ما تحتاجه فئات الشعب العاملة والضعيفة، من الفقراء والمساكين.