وأنَّ هذا الإجماع الضمني من الفقهاء من جميع المذاهب والمدارس الفقهية وخارجها دليل على أنَّ مَن فعل هذا الختان، على ما جاء به الحديث ـ الذي حسَّنه قوم وضعَّفه آخرون ـ الذي نصح الخاتنة بالإشمام وعدم النَّهك والإسراف، لا جُناح عليه، ولم يقترف عملًا محرَّمًا.
فلا ينبغي إذن التشنيع على كل مَن قام بختان بناته ـ أو خفاضهن ـ على الوجه الذي جاء به الحديث، ولا يجوز تسمية ذلك بأنَّه (جريمة وحشية) تُرتكب في القرن الحادي والعشرين! إلا ما كان منها متجاوزًا للحدود الشرعية المتَّفق عليها، وهي تتمثَّل في ثلاثة أشياء:
الأول: تجاوز الإشمام إلى النَّهك، أي الاستئصال والمبالغة في القطع، التي تحرِم المرأة من لذَّة مشروعة بغير مبرِّر. وهو ما يتمثَّل فيما يسمونه (الخفاض الفرعوني).
الثاني: أن يباشر هذا الختان الجاهلات من القابلات وأمثالهن، وإنَّما يجب أن يقوم بذلك الطبيبات المختصَّات الثقات، فإن عُدمن قام بذلك الطبيب المسلم الثقة عند الضرورة. وذلك أنَّ النبي ﷺ قال: «إنَّ الله كتب الإحسان ـ أي الإتقان ـ على كل شيء»(1)، ومباشرة الجاهلات ليس من الإحسان في شيء.
الثالث: ألَّا تكون الأدوات المستخدمة مُعقَّمة وسليمة وملائمة للعملية المطلوبة، وألَّا يكون المكان ملائمًا، كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية. فلا يجوز استخدام الأدوات البدائية، وبطريقة بدائية، وفي أمكنة غير مهيَّأة لذلك. كما يحدث في الأرياف ونحوها؛ لما يترتب على ذلك من أضرار يحظرها الشرع.