وترجيح رأي على غيره في مسائل الحلال والحرام يحتاج إلى أَنَاةٍ وطُول بحث ومراجعة، بعد أن يتجرَّد الباحث لله في طلب الحق، جَهْدَ الإنسان.
وقد رأيت معظم الباحثين العصريِّين في الإسلام والمتحدِّثين عنه، يكادون ينقسمون إلى فريقين:
1 ـ فريق خطف أبصارهم بريقُ المدنيَّة الغربية، وراعهم هذا الصنم الكبير، فتعبَّدوا له، وقدَّموا إليه القرابين، ووقفوا أمامه خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذِلَّة، هؤلاء الذين اتخذوا مبادئ الغرب وتقاليده قضية مُسَلَّمة لا تُعارض ولا تُناقش، فإن وافقها الإسلام في شيء هلَّلوا له وكبَّروا، وإن عارضها في شيء وقفوا يحاولون التوفيق والتقريب، أو الاعتذار والتبرير، أو التأويل والتحريف، كأن الإسلام مفروض عليه أن يخضع لمدنيَّة الغرب وفلسفته وتقاليده.
ذلك ما نلمسه في حديثهم عمَّا حرَّم الإسلام من مثل: التماثيل واليانصيب والفوائد الربوية والخَلْوة بالأجنبية، وتمرُّد المرأة على أنوثتها، وتحلِّي الرجل بالذهب والحرير، إلى آخر ما نعرف.
وفي حديثهم عمَّا أحل الإسلام من مثل: الطلاق وتعدُّد الزوجات، كأن الحلال في نظرهم ما أحَلَّه الغرب، والحرام ما حَرَّمه الغرب.
ونسوا أن الإسلام كلمة الله، وكلمة الله هي العليا دائمًا، فهو يُتَّبَع ولا يَتَّبِع، ويَعلو ولا يُعلى عليه، وكيف يتبع الربُّ العبدَ؟! أم كيف يخضع الخالق لأهواء المخلوقين؟! ﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ . ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِىٓ إِلَى ٱلْحَقِّ ۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِىٓ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّىٓ إِلَّآ أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ .