2 ـ هذا فريق، والفريق الثاني جَمَد على آراء معيَّنة في مسائل الحلال والحرام، تبعًا لنصٍّ أو عبارةٍ في كتاب، وظن ذلك هو الإسلام، فلم يتزحزح عن رأيه قِيدَ شعرة، ولم يحاول أن يمتحن أدلَّةَ مذهبه أو رأيه، ويوازنها بأدلَّة الآخرين ويستخلص الحق بعد الموازنة والتمحيص.
فإذا سئل عن حكم الموسيقى أو الغناء أو الشِّطْرنج، أو تعليم المرأة، أو إبداء وجهها وكفَّيها، أو نحو ذلك من المسائل، كان أقرب شيء إلى لسانه أو قلمه كلمة «حرام»، ونسي هذا الفريق أدب السلف الصالح في هذا، حيث لم يكونوا يُطلقون الحرام إلا على ما عُلم تحريمه قطعًا. وما عدا ذلك قالوا فيه: نكره، أو لا نحب، أو نحو هذه العبارات.
وقد حاولتُ ألَّا أكون واحدًا من الفريقين.
فلم أرضَ لديني أن أتَّخذ الغرب معبودًا لي، بعد أن رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا.
ولم أرضَ لعقلي أن أقلِّدَ مذهبًا معينًا في كل القضايا والمسائل: أخطأ أو أصاب، فإن المقلِّد ـ كما قال ابن الجوزي ـ «على غير ثقة فيما قلَّد فيه، وفي التقليد إبطالُ منفعة العقل، لأنه خُلق للتأمُّل والتدبر. وقبيحٌ بمن أُعطي شمعة يستضيء بها أن يُطفئَها ويمشي في الظلمة»(1).
أجل، لم أُحاول أن أقيِّد نفسي بمذهبٍ فقهيٍّ من المذاهب السائدة في العالم الإسلامي، ذلك أن الحق لا يشتمل عليه مذهب واحد. وأئمة هذه المذاهب المتبوعة لم يدَّعوا لأنفسهم العِصْمة، وإنما هم مجتهدون في تعرُّف الحق، فإن أخطؤوا فلهم أجر، وإن أصابوا فلهم أجران.