ويعلم الله أني ما قصدت إرضاء هذا الفريق، ولا إغضاب ذاك الفريق، إنما أردت خدمة الحقيقة، وبيان الاجتهاد الشرعي المعاصر، في قضية اشتد فيها الخلاف، واحتد الصراع، وكثرت الأقوال من قديم.
والحق أني لم أر موضوعًا اشتجرت فيه الآراء، وتعددت فيه الأقوال، وتباعدت فيه الأحكام، واستطال فيه النزاع، مثل موضوع (الغناء)، سواء كان بآلة ـ أي مع الموسيقى ـ أم بغير آلة، كما عبر عن ذلك الإمام ابن جماعة، وكما نقل ذلك علامة الشافعية ابن حجر الهيتمي، وغيرهما(1).
وكانوا يعبرون عنه قديمًا بـ (السماع)؛ لأنه من لوازم الغناء. فإنما يغني المغني ليُسْمع.
وقد عني الفقهاء في شتى المذاهب بموضوع الغناء والآلات وبيان أحكامه:
أحيانًا في (البيوع) عند الحديث عن بيع آلات اللهو، وجوازه من عدمه.
وحينًا في (النكاح) عند الحديث عن إعلانه والضرب عليه بالدفوف ونحو ذلك.
وطَوْرًا في كتاب (الشهادات) وشروط من تقبل شهادته، وهل تقبل شهادة المُغَنِّي والمستمع له أوْ لا؟
وقد يبحث عند الحديث عن تغيير المنكر باليد، وشروط هذا التغيير، وهل يعتبر الغناء من المنكر أم لا؟