كما صُنفت في موضوع الغناء والآلات (الموسيقى) وبعبارة الأقدمين (السماع) جملة وافرة من الرسائل والكتب، متفاوتة الأحجام، ومتباينة الأحكام، من استحباب إلى إباحة إلى كراهة إلى تحريم مع الإطلاق أو مع التقييد، واستدل كل فريق لمذهبه بما تيسر له من الأدلة.
وقد ذكر العلامة الكتاني في كتابه القيم (التراتيب الإدارية) أو (الحكومة النبوية) جملة وفيرة ممن ألفوا في موضوع الغناء أو السماع.
وفي عصرنا قد كتب الكثيرون في الموضوع ما بين محرمين بإطلاق ـ وخصوصًا مع الآلات الموسيقية ـ ومبيحين بإطلاق، وما بين قائلين بالكراهة، وما بين مفصلين ومقيدين. وأنا من هؤلاء الأخيرين.
وقد كان الموضوع في حاجة إلى مزيد تجلية وبيان، وخصوصًا بعد اختراع المذياع والتلفاز، ودخول الإذاعة المسموعة والمرئية بيوت الناس، وعموم البلوى بذلك. وحاجة الأمة إلى التيسير، فيما لا توجد فيه نصوص محكمات، وبراهين بينات، ولا سيما أن الإسلام رسالة للعالم كله، وللزمن كله، وليست لإقليم خاص من الأرض، ولا لجنس معين من البشر، ولا لجيل محدود من الناس، ولهذا راعت تشريعاته العامة تباين ظروف الناس وطبائعهم وأعرافهم، كما قال الرسول ﷺ : «إن الأنصار يعجبهم اللهو»(1)، وكما سمح للحبشة أن يرقصوا بحرابهم في مسجده، وقال في غناء الجاريتين في بيت عائشة: «ليعلمَ يهودُ أنَّ في ديننا فُسحة، وإنِّي بعثت بحنيفية سمحة»(2).