ومن نظر في النصوص العامة للشريعة ـ التي تنبئ عن مقاصدها الكلية ـ وجدها تبيح الطيبات، وتحرم الخبائث. والطيبات ليست أمرًا خاصًّا بالمأكولات، كما يتصور بعض الناس، بل منها ما يتعلق بالملبوسات والمرئيات والمسموعات والمشمومات، مما تستطيبه وتتلذذ به الحواس المختلفة من البصر والسمع والشم والذوق واللمس وغيرها.
بل نجد في نصوص القرآن ما يدل على شرعية اللهو، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْوًا ٱنفَضُّوٓا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِ ﴾ .
فعطف التجارة على اللهو ينبئ بأنهما في المشروعية سواء، وإنما الذي ذمه الله تعالى: هو انشغالهم باللهو والتجارة عن رسول الله ﷺ ، وذلك حين تأتي القافلة محملة بالبضائع، وما يصحبها من الطبل والغناء واللهو، فينفضون إليها ويتركونه في المسجد قائمًا.
كما نجد في نصوص السنة أن النبي ﷺ أذن للحبشة أن يرقصوا بحرابهم في مسجده، وأذن لعائشة أن تنظر إليهم وهي متعلقة به، كما سمح للجاريتين أن تغنيا وتضربا بالدف في بيت عائشة، وكان موجودًا، وذلك في يوم عيد، معللًا ذلك بقوله: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة»(1)!
وكان ! يمزح مع زوجاته، ومع أصحابه ولا يقول إلا حقًّا، وكان أصحابه على نهجه يمزحون ويتضاحكون، ومنهم من يبتكر (المقالب) لزملائه ورفاقه، مما لا يكاد يصدقه من يقرؤه الآن.
وهذا كله فرض علينا أن نبحث فقه هذا الأمر الموصول بحياة الناس اليومية أفرادًا وأسرًا وجماعات: أمر اللهو والترويح، وهو متصل اتصالًا وثيقًا بالإعلام وبالفن، وأن نبحث في أحكامه الشرعية وفق منهجنا الوسطى الذي ارتضيناه، بعيدًا عن غلو المتنطعين، وتسيب المتحللين، معتمدين على مصادرنا الأصلية من: كتاب الله تعالى، والسنة الصحيحة لرسوله ﷺ ، وهدي الصحابة، والنظر في مقاصد الشريعة.