وما عرضناه هنا من علاج الإسلام لمشكلة الفقر، قد رددناه إلى أصوله ومصادره الإسلامية الخالصة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة المجتهدين من فقهاء الإسلام، حتى لا يتهمنا امرؤ متحيز أو جامد بأننا نقدم للناس إسلامًا جديدًا ليس هو الإسلام الذي عرفه الصحابة، وفهمه أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة، كما زعم ذلك بعض المستشرقين فيما يكتبه الدعاة إلى الإسلام اليوم.
وسيتبين للقارئ في هذه الصحائف: أن نظرة الإسلام إلى الفقر وعلاجه له ووسائله في علاجه، ورعايته لحقوق الفقراء، وكفالته لحاجاتهم المادية والأدبية، تجعله مذهبًا متميزًا عن كل مذهب آخر يُرَوِّجُ له المروجون في بلادنا وغير بلادنا في هذا الزمن.
ويتبين له أن من الخطأ البين أن يُنْسَبَ الإسلام إلى أحد هذه المذاهب، أو يُنسب أحدها إليه، فيُقال مثلًا: إن الاشتراكية من الإسلام، أو الإسلام من الاشتراكية، أو يقال: إن الإسلام رأسمالي، أو أن الرأسمالية إسلامية!
إن للإسلام نظرة إلى الحياة، وإلى الإنسان، وإلى العمل، وإلى المال، وإلى الفرد، وإلى المجتمع، تخالف في مجموعها نظرة المذاهب الأخرى يمينية ويسارية: إنها نظرة متفردة مستقلة، لا شرقية ولا غربية، بل ربانية إنسانية: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ﴾ .
فلندع للإسلام أصالته وشموله، وعمقه واتزانه، وسبقه وتفوقه، وليكن أكرم علينا من أن نخلطه بفلسفة أو فكرة أخرى، ولندعُ إليه وحده بكل يقين وشجاعة علاجًا لكل مشكلاتنا، وحلًّا لكل عقدنا، فهو وحده الدواء لكل داء، والمصباح في كل ظلمة، وما عداه من المبادئ والأنظمة التي يُرَوِّجُ لها الخادعون والمخدوعون: إن هي إلا أوهام مضللة، وأفكار متضاربة، وتجارب فاشلة، حسْبنا منها أنها جلُّها ـ أو كلها ـ من صنع اليهود الخبثاء، وعمل الكفار الماكرين: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍۭ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ 39 أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ يَغْشَىٰهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِۦ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِۦ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَـٰتٌۢ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُۥ لَمْ يَكَدْ يَرَىٰهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورًا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ 40 ﴾ .