ولا تزال هذه الوصايا من أثرياء الأمة تقوم بدورها بتمويل المشاريع الخيرية والتكافلية والدعوية والتعليمية والصحيَّة، كما نشهد ذلك بوضوح في بلاد الخليج، إذ تعارف أثرياؤهم على الوصية بجزء من أموالهم يُنفق في الخيرات.
الصدقة الجارية:
وهناك من وسائل فعل الخير: «الصدقة الجارية» أي الدائمة، وهي التي يبقى نفعها وأجرها للمرء من بعد موته، فهي إحدى سُبل الخيرات والمبرَّات التي يعيش بها الإنسان عمرًا بعد عمره، ويضيف إليه حيوات بعد حياته القصيرة المحدودة، وهي: التي صحَّ بها الحديث عن رسول الله ﷺ : «إذا مات ابنُ آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(1).
والصدقة الجارية من بعد موته، هي: ما يقفه من عقار أو منقول، يخرجه من ملكه، ليدخله في ملك الله 8 ، لينتفع به بعض عباده كالفقراء واليتامى والأرامل والمسنِّين والعلماء، أو مؤسَّسات كالمساجد والمدارس والمشافي، ونحو ذلك من كلِّ ما فيه خير لإنسان أو حيوان، وبخاصَّة ما يعين على طاعة الله، وإعزاز دينه.
الوقف على الخير:
عرف الناس الوقف الديني على المعابد من قديم الزمان، عرفه الفراعنة، وعرفه الرومان، بل عرفه العرب في الجاهلية على الكعبة البيت الحرام، وكلُّ أصحاب الأديان عملوا على التقرُّب إلى آلهتهم بشتَّى القُرَب، كما ذكر القرآن عن مشركي العرب: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلْأَنْعَـٰمِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ .