عرف الناس الوقف الديني على المعابد من قديم الزمان، عرفه الفراعنة، وعرفه الرومان، بل عرفه العرب في الجاهلية على الكعبة البيت الحرام، وكلُّ أصحاب الأديان عملوا على التقرُّب إلى آلهتهم بشتَّى القُرَب، كما ذكر القرآن عن مشركي العرب: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلْأَنْعَـٰمِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ .
ووجد الوقف الأهلي أو الذُّرِّي عند بعض الأمم كالرومان.
ولكن الوقف الذي ابتكره الإسلام وانفرد به، وطبَّقه المسلمون طوال تاريخهم، وكان لهم فيه روائع ومثاليات، هو «الوقف الخيري»، الذي شمل كلَّ أنواع البرِّ، الإنسانية والتعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ولم يقتصر على الإنسان، بل شمل الحيوان.
تميز الإسلام عن كل الأديان والفلسفات بأمرين:
صحيح أن كلَّ الأديان دعت إلى البرِّ، وفعل الخير، والعطف على المسكين، واليتيم، وابن السبيل، ولكنَّ الإسلام تميَّز في هذا الجانب بأمرين كبيرين:
الأمر الأول: فرض الزكاة، واعتبارها ركنًا من أركان الإسلام، واعتبارها حقًّا معلومًا تُكلَّف الدولة بأخذه من الأغنياء، لتردَّه على الفقراء، بواسطة العاملين عليها، ومَن لم يدفعه طوعًا، أخذته منه كرهًا، حتى إنَّ الدولة لتقاتل عليه مَن امتنع من أدائه، وكان ذا شوكة، كما فعل الخليفة الأول لرسول الله أبو بكر الصديق.
وهي أول دولة في التاريخ تشنُّ الحرب من أجل حقوق الفقراء.
فانتقل بفعل الخير إلى أعلى درجات الإلزام الديني والخُلُقي، وحدَّد نُصُبه ومقاديره ومصارفه وأحكامه، بحيث أصبح حقًّا معلومًا، يسهُل المطالبة به، والمحاسبة عليه. بخلاف الصدقات التطوُّعية التي عُرفت في الأديان والفلسفات قبل الإسلام.