وعند الحنفية نجد صاحب «الهداية» في باب المرابحة والتولية: «نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول، من غير زيادة ربح، قال: والبيِّعان جائزان، لاستجماع شرائط الجواز، والحاجة ماسَّة إلى هذا النوع من البيع؛ لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي، وتطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح، فوجب القول بجوازهما، ولهذا كان مبناهما على الأمانة والاحتراز عن الخيانة وعن شبهتها»(1).
وهنا يعلِّق مُحقِّق الحنفية الكمال بن الهُمام على كلام صاحب «الهداية» فيقول: «ولا يخفى أنه لا يحتاج إلى دليل خاصٍّ لجوازهما، بعد الدليل المثبت لجواز البيع مطلقًا بما تراضَيَا عليه، بعد ألَّا يُخل بما عُلم شرطًا للصحة، بل دليل شرعية البيع مطلقًا بشروطه المعلومة هو دليل جوازهما»(2).
وقال الإمام الشافعي في كتابه «الأم» تفريعًا على قول الله تعالى: ﴿ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﴾: «فأصل البيوع كلها مباح، إذا كانت برضا المتبايعين الجَائِزَيْ الأمر (أي التصرُّف) فيما تبايعَا، إلا ما نهى عنه رسول الله ﷺ منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله ﷺ ، مُحرَّم بإذنه، داخل في المعنى المنهي عنه وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله»(3).
وهذا أظهر الأقوال وأصحُّها في معنى الآية ـ كما ذكر النووي ـ «فلفظ البيع في الآية لفظ عموم يتناول كلَّ بيع، ويقتضي إباحة جميعها، إلا ما خصَّه الدليل. واستدلَّ لذلك صاحب الحاوي (الماوردي)، بأنَّ النبي ﷺ ، نهى عن بيوع كانوا يعتادونها، ولم يُبيِّن الجائز، فدلَّ على أنَّ الآية الكريمة تناولت إباحة جميع البيوع، إلا ما خصَّ منها، وبيَّن ﷺ المخصوص»(4).