أي: هل إن نظام التعاقد في الإسلام يحصر الناس في أنواع معيَّنة من العقود المُسمَّاة، وهي العقود المعروفة في صدر الإسلام، من بيع وإجارة، وهبة ورهن، وشركة وصلح، وقسمة وإعارة وإيداع، وسائر العقود الأخرى المُسمَّاة، التي وَرَدَ لها ذكر وأحكام في مصادر فقه الشريعة من كتاب وسنة وإجماع، ولا يبيح للناس إيجاد أنواع أخرى من العقود غير داخلة في أحد الأنواع السابقة المذكورة؟ أم إنَّ الشريعة تركت الباب مفتوحًا للناس في أنواع العقود وموضوعاتها، فيمكنهم أن يتعارفوا على أنواع جديدة، إذا دعتهم حاجتهم الزمنية إلى نوع جديد، ليس فرعًا من أحد الأنواع المعروفة قبلًا، ويصحُّ منهم كلُّ عقد جديد متى توافرت فيه الأركان والشرائط العامة التي تعتبر من النظام التعاقدي العام في الإسلام، كالشرائط المطلوبة شرعًا. في التراضي والتعبير عن الإرادة، وفي محلِّ العقد، بحيث لا يتضمَّن العقد ما يخالف قواعد الشريعة، التي عبَّر عنها النبي ! بقوله: «كلُّ شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل»(1).
فكتاب الله في هذا المقام معناه القواعد العامة في الشريعة، وليس معناه القرآن.
فهو مصدر بمعنى المفعول، أي: ما كتبه الله على المؤمنين وأوجبه عليهم، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوْقُوتًا ﴾ ؟
والجواب على هذا التساؤل: أنّ الشرع الإسلامي لم يحصر الناس في الأنواع المعروفة قبلًا من العقود، بل للناس أن يبتكروا أنواعًا جديدة تدعوهم حاجتهم الزمنية إليها، بعد أن تستوفي الشرائط العامة المشار إليها.
وهذا ما نراه هو الحقُّ، وهو من مبدأ سلطان الإرادة العقدية في الفقه الإسلامي، وقد استوفيتُ بحثه في كتابي: «المدخل الفقهي العام، وهو الجزء الأول من «سلسلة الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد».