ذلك أنَّ منهج الإسلام الذي عُرف بالاستقراء: أنَّه يُجْمل في الأمور التي تتغير كثيرًا بتغير البيئات والأزمان، ويُفصِّل في الأمور التي لا تتغير كثيرًا. ولا ريب أنَّ الاقتصاد والسياسة من الأمور الكثيرة التغير؛ فلهذا اكتفت فيها النصوص بوضع المبادئ والقواعد الكلية والتوجيهات الأساسية، وهذا ما نقصده إذا قلنا: نهج أو نظام إسلامي، فإن كان هذا هو المراد، فهو ما أومن به، وأدعو إليه.
قال: وأنا أيضًا كنت مثلك إلى عهد قريب، ثم بدَّلت رأيي بعد تأمل ودراسة.
قلت: لا بأس أن تدلنا على ما ظهر لك من نتائج تأملاتك ودراساتك، فلعلها من القوة بحيث تبدِّل رأيي كذلك!!
ثبات الدين وتغير الأنظمة:
قال: إنَّ لُباب الإسلام هو العقائد والعبادات والأخلاق، وهذه هي العناصر الأساسية لكل دين، أما شؤون الحياة الدنيا المتغيرة، فليس من شأن الدين أن يتدخل فيها، ويلزم الناس بأوضاع وأنظمة قد تلائم عصرًا ولا تلائم غيره، وتناسب بيئة ولا تناسب أخرى.
قلت: ألسنا نقرأ في القرآن أحكامًا مفصَّلة لشؤون الأسرة من زواج وطلاق ونفقات ومواريث ووصايا وما يتصل بذلك؟ فضلًا عمَّا زخرت به السُّنَّة النبوية من الأقوال والأفعال والتقريرات التي توضح هذه الأحكام وتؤكدها وتُفرِّع عليها؟
قال صاحبي: بلى، وأنا أستثني موضوع الأسرة من شؤون الحياة الدنيا، لما له من أهمية خاصة عند جميع الأديان، فكلها تقريبًا تهتم به وتعنى بتفصيله.
أما شؤون الحياة الأخرى ـ كالشؤون الاقتصادية مثلًا ـ فأرى أنَّ الإسلام لم يحدّ للناس نظامًا خاصًّا يفرض عليهم اتباعه فيها؛ ودليلي على ذلك أمور: