ولهذا لم يتكفَّل الله تعالى بحفظ مصادرها المقدسة من الضياع والتحريف، ولم يضمن لها أن يبعث في كل جيل من يحفظ كتابها، ويصون ميراث نبيها، ويجدد لها أمر دينها.
ومن هنا حُرِّفت الكتب السماوية المنزَّلة قبل القرآن، تحريفًا لفظيًّا ومعنويًّا، ونسي أهلها حظًّا مما ذُكِّروا به. وهذا أمر أثبته القرآن الكريم، ودلّ عليه الاستقراء بيقين، واختلطت كلمات الله بكلمات البشر.
فلما بلغت البشرية طورها الأخير، وعلم الله جلَّ شأنه، أنها أصبحت صالحة لأن تتنزل عليها الرسالة العامة الأخيرة، بعث محمدًا ﷺ ليكون رحمة للعالمين، ورسوله إلى الناس جميعًا، كما قال تعالى يخاطبه: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ ﴾ ، ﴿ قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ ، وقال: ﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيرًا ﴾ ، وقال ﷺ معدِّدًا خصائص رسالته، وما منَّ الله عليه من فضل: «أُعطيت خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي»، وفيه: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس كافة»(1). ومقتضي هذا العموم: أن تكون هذه الرسالة أو هذه الشريعة صالحة لكل قوم، وكل بيئة، وكل مكان.
كما اقتضت حكمته تعالى أن تكون هذه الشريعة هي خاتمة الشرائع، فهي ناسخة لما قبلها، ولا تُنسخ بشريعة بعدها؛ إذ ليس بعد كتابها كتاب، ولا بعد نبيها نبي. فقد كمل الدين بالإسلام، بناء برسالة محمد ﷺ وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَـٰمَ دِينًا ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ ﴾ .