وما كان يُتصوَّر أن تكون مثل هذه القضية موضع ريب أو جدال في أي بلد مسلم، فهذا من لوازم الإيمان، ومقتضى الإسلام، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ ، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .
ولكن المسلمين في الأعصر الأخيرة، ابتلوا بالاستعمار الكافر، الذي احتلَّ ديارهم في غفلة من أهلها، فلم يَدَع دعامة من دعائم الحياة الإسلامية إلا زلزلها وزعزعها، أو وضع الألغام من تحتها، لعلها تنفجر يومًا ما، فتأتي عليها من القواعد.
ولما حمل الاستعمار العسكري والسياسي عصاه ورحل، كان قد ترك وراءه آثاره و«بصماته» في كل جنبات الحياة التشريعية والفكرية والخلقية والعملية.
وكان أخطر ما تركه الاستعمار وراءَه هو رواسب الغزو الفكري والثقافي، الذي عمل عمله في عقول الأجيال الناشئة من أبناء الأمة المسلمة، وبخاصة الذين لم يُتح لهم أن يتثقفوا بالثقافة الإسلامية؛ فقد غيّر هذا الغزو المخطط المدروس كثيرًا من المفاهيم الإسلامية الأصلية، وأحلَّ محلها مفاهيم غربية دخيلة، وما لم يستطع تغييره من القيم والأفكار، أعمل فيه معول التشكيك والبلبلة، حتى تفقد الأمة ثقتها بذاتها وبدينها وبتراثها، وتصبح أُمَّة بلا أساس، ولا جذور، وبذلك يسهل على أعدائها تسييرها إلى حيث يريدون، فإن أبت حطموها بغير جهد كبير.
ومن الأفكار التي روَّجوها بواسطة مبشريهم ومستشرقيهم وتلاميذهم وعبيد فلسفتهم وحضارتهم: أن الشريعة الإسلامية شريعة قديمة لا تصلح لهذا العصر، ولا تقدر على إيجاد حلول لمشكلات الحياة المتجددة، وأوضاعها المتطورة؛ لأنها شريعة وجدت منذ أربعة عشر قرنًا، في عصر غير هذا العصر، وبيئة غير هذه، وأقوام غير هؤلاء الأقوام، فلا يعقل أن تكون شريعة عصر الجمل صالحة لعصر الطائرات والمراكب الفضائية، والعصر القمري. كما قالوا !