فقد طلب منِّي إخوتي الأحبة في الأمانة العامة للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، الذي أتشرَّف برئاسته: أن يكون لهم حق الطبعة الأولى من كتابي «الدِّين والسِّياسة: تأصيل وردُّ شبهات». وكانوا هم الذين استحثوني على كتابته، فلهم ـ بعد توفيق الله سبحانه ـ الفضل في إتمامه، كما أنَّهم قد اتفقوا معي على أن يطبعوا الكتاب ـ أو البحث ـ حين أفرغ من إعداده وإتمامه، ليوزَّع على الأقليات الإسلاميَّة في أوربا، التي يعمل مجلسنا منذ تأسيسه، لترشيد مسيرتها، وتسديد خطاها، وَفْق أحكام الشريعة الإسلاميَّة السَّمحة ومقاصدها الرحبة، ومن خلال فقهٍ إسلاميٍّ رشيدٍ يجمع بين السَّلفية والتجديد، أو قُلْ: بين الأصالة والمعاصرة، فلا يفرط في الأصول، ولا يناقض العقول، ولا يباين النقول، ولا يغفل الواقع، ولا يهمل ضرورات الناس ولا حاجاتهم، التي تقدِّرها الشريعة حق قدرها.
وإنِّي لأرجو أن تحقِّق هذه الطبعة هدفها في تثقيف الأقليات المسلمة في أوربا، حتى يندمجوا في مجتمعهم ولا ينعزلوا عنه، اندماجًا إيجابيًّا صحيًّا، وهو ما عبرت عنه من قديم بعبارة: استقامة بلا انغلاق، واندماج بلا ذوبان. ونعني بالذوبان هنا: التفريط في العقيدة والفرائض الدِّينية، وانتهاك المحرمات العظيمة التي نهى عنها الإسلام، وخصوصًا الكبائر الموبقات. والحذر كلَّ الحذر من التقليد الأعمى للمجتمع الغربي في تقاليده وسلوكياته التي لا يقرها أي دين، وترفضها اليهودية والمسيحية، والتوراة والإنجيل، كما يرفضها القرآن.
وهذه السلوكيات هي التي ينقدها المصلحون الغربيون أنفسهم، الذين يرون فيها خطرًا على مجتمعاتها، جديرة إذا استمرت وتفاقمت أن تهدِّده في أسسه ومقوماته، وهو الذي حذَّرنا منه نبُّينا أن نتَّبع «سنن القوم» من اليهود والنصارى شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه!(1).
أدعو الله 8 أن يجعل من كتابي هذا نورًا على الطريق، وأن ينفع به كلَّ من قرأه أو نشره، أو عمَّم النفع به.
وآخر دعوانا أن: الحمد لله ربِّ العالمين.
الدوحة في: شوال 1427هـ ـ نوفمبر 2006م
الفقير إلى عفو ربه