رأينا هؤلاء يخرجون على إجماع الأمة الثابت المستيقن طوال تاريخها، حيث آمنت بأنَّ الإسلام عقيدة وشريعة، ودين ودولة، وعبادة وقيادة، وصلاة وجهاد، وأنَّ رسول الله ﷺ هو أول رئيس لدولة الإسلام، وسار على دربه خلفاؤه من بعده، وأنَّ الخلافة هي: نيابة عن رسول الله ﷺ في إقامة الدِّين وسياسة الدنيا به.
هؤلاء «العلمانيون» من الليبراليين أو الماركسيين يدَّعون الإسلام، مجرَّد دعوى، ولكنَّهم لا يخضعون لحكمه، ولا يقفون عند أمره ونهيه، ولا يرجعون لكتابه وسُنَّته، وإذا رجعوا يومًا فلكي يحرِّفوا الكلم عن مواضعه، ويلووا أعناق النصوص لتخضع لهم، لا ليخضعوا لها، وليس هذا من صنع أهل الإيمان، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوٓا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ .
وهم يسخرون من «الإسلام الشامل»، الذي لم يعرف المسلمون غيره طوال القرون، ويسمُّونه «الإسلام السِّياسي». كأن هناك أنواعًا من الإسلام: إسلامًا روحيًّا، وإسلامًا فكريًّا، وإسلامًا اجتماعيًّا، وإسلامًا سياسيًّا ! والإسلام هو الإسلام من حيث جوهره، ومن حيث مقوِّماته، ومن حيث مصادره، هو إسلام القرآن والسُّنَّة.
وبين هؤلاء العلمانيين المتحلِّلين من عُرا الإسلام، وأولئك الجامدين الغائبين عن العصر: يقف تيار «الوسطية الإسلامية»، الذي يأخذ الإسلام من منابعه الصافية، ويؤمن بأنَّه منهاج كامل للحياة، للفرد والأسرة والمجتمع والدولة. وهو ينظر إلى الإسلام بعين، وإلى العصر بعين، يجمع بين القديم النافع والجديد الصالح، ويلتزم بالسَّلفية المجدِّدة، ويوازن بين الثوابت والمتغيّرات، ويدعو إلى احترام العقل، وتجديد الفكر، والاجتهاد في الدين، والابتكار في الدنيا، ويقتبس من أنظمة العصر أفضل ما فيها، ويرى أنَّ الديمقراطية أقرب ما تكون إلى الإسلام، بعد أن تُنَقَّى من بعض ما بها من شوائب، وأن تُطعَّم بما ينبغي من قيم الإسلام وأحكامه.