ما زال لهؤلاء الجامدين من أهل الفقه أخلاف في عصرنا، يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري، ولكنَّهم يفكِّرون بعقول علماء ماتوا من قرون، وقد تغيَّر كلُّ شيء تقريبًا في الحياة عمَّا كان عليه الحال في عهود أولئك العلماء. ونَسِيَ هؤلاء أنَّ الإمام الشافعي غيَّر مذهبه في مدَّة وجيزة، فكان له مذهب جديد، ومذهب قديم. وأنَّ أصحاب أبي حنيفة خالفوه في أكثر من ثلث المذهب، لاختلاف عصرهم من عصره، وقالوا: لو رأى صاحبنا ما رأينا، لقال بمثل ما قلنا أو أكثر(1). والإمام أحمد تُروى عنه في المسألة الواحدة روايات قد تبلغ سبعًا، أو أكثر وما ذلك إلَّا لاختلاف الأحوال والملابسات، وتغيُّر الظروف والأوضاع في غالب الأحيان.
رأينا ممَّن ينتسبون إلى الفقه في عصرنا ومن يُحسبون ضمن فصائل الصحوة الإسلامية، مَن يقول: إنَّ الشورى معلمة لا ملزمة، وإنَّ من حقِّ ولي الأمر أن يستشير ليستنير، ثم يضرب برأي أهل الشورى عُرض الحائط إن شاء، وينفِّذ رأيه هو ! وأنَّه هو الذي يعيِّن مجلس الشورى، ثم يقرُّه إن شاء، ويحلُّه متى شاء !.
رأينا مَن يرفض فكرة التعددية في ظلِّ الدولة الإسلامية، ومَن يرفض فكرة الانتخابات لاختيار رئيس الدولة، أو اختيار ممثلي الشعب في مجلس الشورى أو المجلس النيابي، ومَن يرفض الأخذ بالأغلبية في التصويت، ومَن يرفض تحديد مدَّة رئيس الدولة بسنواتٍ معدودة، ومَن يرى أنَّ كل ما جاءت به الديمقراطية منكر تجب محاربته.
رأينا مَن يرفض أن يكون للمرأة صوت في الانتخابات، بله أن يكون لها حق الترشيح في المجالس النيابية، وبذلك يعطِّل نصف الأمة، وكذلك مَن لا يعطي لغير المسلمين هذا الحقَّ في التصويت أو الترشيح، أو يكون لهم نصيب من المشاركة في الحكم.