وكل هذا يدل على أنَّ المسلمين ـ وإن كانوا أقلية في بعض البلاد ـ شرعوا يؤكدون هُويَّتهم، ويعبِّرون عنها بالقول والعمل، ولا سيما العمل الجماعي المؤسَّسي، وهو ممَّا يبشِّر بخير، ويعد بغدٍ أفضل إن شاء الله.
وهو ما يتفق مع المبشِّرات الكبيرة والكثيرة من القرآن، ومن السُّنَّة، ومن التاريخ، ومن الواقع، ومن سنن الله تعالى ﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ .
ولا غرو أن رحبت بالكتابة في هذا الموضوع لإيماني بأهميته، ولأنِّي في الواقع مشغول به منذ فترة طويلة، أي منذ بدأت الزيارة لأوربا وأمريكا وبلاد الشرق الأقصى، منذ أكثر من ربع قرن، وبدأت تنهال عليَّ الأسئلة في المؤتمرات والندوات واللقاءات التي كنت أشارك فيها، أو عقب المحاضرات التي كنت ألقيها. وهذا فتح عيني على المشكلات التي يعانيها المسلمون الذين يعيشون خارج المجتمعات الإسلامية، في صورة أقليات هنا وهناك.
ولقد تجلَّى اهتمامي بهذه القضية الحيوية في صور شتى، وبأساليب متنوعة:
تجلَّى ذلك أول ما تجلَّى في كتابي «الحلال والحرام في الإسلام»، فلقد كلفتني به مشيخة الأزهر، استجابةً لطلبات المسلمين في بلاد الغرب، ضمن ثلاثين موضوعًا طلبوا الكتابة فيها بلغة تناسبهم، وتراعي ظروفهم.
كما تجلَّى ذلك في كتابي «فتاوى معاصرة» بأجزائه الثلاثة(1).