وهذا كله وَفْق شريعةٍ ربانيَّة، أو منهجٍ إلهيّ أنزل الله به كتبَه، وبعث به رسلَه، الذين اتَّفقت رسالاتهم في أصول العقائد، وأمهات الأخلاق، وأساس العبادة لله وحده، كما قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ .
واختلفت شرائعهم التفصيلية، لتناسب الزمان والمكان وحال الإنسان: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ .
وقد ختمت هذه الرسالات برسالة محمد ﷺ خاتم النبيِّين والمرسلين، الذي أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على المؤمنين: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَـٰمَ دِينًا ﴾ .
تضمنت الرسالة أو الشريعة المحمدية الخاتمة:
أ ـ العقائد السليمة، التي تصحِّح نظرة الإنسان للوجود: أو إلى الخالق والمخلوق، إلى الكون والمكوّن، أو إلى الله والإنسان، إلى الحياة والموت، والدنيا والآخرة. وتصفّي العقائد من أوهام العقل، وشطحات الخيال، وانحرافات الهوى، وتحريفات المتاجرين بالدين.
ب ـ وتضمنت الرسالة الخالدة العبادات الشعائرية، التي فرضها الله على عباده المسلمين، لتصلهم بربِّهم، وتزكو بها أنفسهم، وتطهر قلوبهم، ويؤدُّوا شكر نعمة ربهم عليهم، ويتحققوا بكمال العبودية له.
ج ـ وتضمنت كذلك «أخلاقيات» وفضائل عليا، تسمو بالإنسان، أو يسمو بها الإنسان، ويتميَّز عن الحيوانات والسباع، فلا تحكمه الغريزة وحدها كبهيمة الأنعام، ولا يحكمه الناب والمخلب كالسباع. إنَّما تحكمه فضائل الفطرة السليمة، والعقل الرشيد، والسلوك السوي. الذي تمثل في مثل أعلى، هو محمد ﷺ الذي كان خُلُقه القرآن، والذي قال: «إنَّما بُعِثْتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق»(1) أو «مكارم الأخلاق»(2).