أجل، سيظل الدكتور بعيدًا عن عقول الجماهير، وقلوبِهم معًا؛ لأنَّه يحدثهم بمفاهيم مستجلبة من ديار أخرى، ومن قوم آخرين، فهم لها رافضون وعنها معرضون؛ لأنَّها مناقضة لدينهم وشريعتهم، وقيمهم وتاريخهم، وواقعهم.
من هنا اتجه تفكيري إلى أن أرد على دعاوى د. فؤاد زكريا خاصة، وعلى العِلمانيين عامة، في كتاب يُقرأ، لا في محاضرة تُسمع، بعيدًا عن تأثير قوة الصوت، وتشجيع الجمهور، وسيعلم الدكتور أننا ـ دائمًا ـ أصحاب الحجة الأقوى، والمنطق الأسدّ، سواء حاضَرْنا أم كتبنا؛ لأننا نعبر عن الحق، الذي قامت به السماوات والأرض، والحق أحق أن يُتبع، وأولى أن يُستمع، والباطل مهما انتفش واستطال، فهو لا بد زائل، ﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ .
وإنَّما اخترت د. فؤاد زكريا، للرد عليه من بين دعاة العِلمانية في مصر؛ لأنَّه نشر مقالاته، في أوسع الصحف انتشارًا؛ ولأنه الوحيد، الذي اشترك ممثلًا للجانب العلماني في الندوة التاريخية بدار الحكمة؛ ولأنه أكثر العِلمانيين إبانة عن فكرته، وأقدرهم على إيراد الشبهات وسوقها في صورة البراهين، وأجرؤهم على مناقشة القضايا من جذورها، وإن كانت مجافية لأوضح المسلمات الدينية. فإذا هدمنا كل ما استند إليه، وما نمَّقه وزوقه من مقولات، فقد سقط كل العِلمانيين، وسقطت مقولاتهم، وذهب زَبَدهم جُفاء، وبقي ما ينفع الناس.
وقد أدرتُ الحوار في هذا الكتاب، حول جملة أمور أساسية:
1 ـ تحديد المواقع أو الهويات لكل من الطرفين المتحاورين، من أول الأمر، وأين يقف كل منهما؟