وكان أول ما لفت نظري، أنَّه جعل عنوان هذا الموضوع الكبير العميق: «المسألة الدينية في مصر المعاصرة»! والكِتاب ـ كما يقولون ـ يُقرأ من عنوانه، ففهمت أن هذه هي مكانة الدين في نفس الكاتب. الدين الذي هو روح الحياة، وحياة الروح، وجوهر الوجود الإنساني كله، لا يعدو أن يكون في تفكير كاتبنا غير مسألة من مسائل الحياة، التي تشغل الناس فترة من الزمن؛ مثل: تداخل خطوط التليفونات، أو انقطاع المياه عن الأدوار العليا في النهار، أو ارتفاع سعر الدولار في السوق، ونحو ذلك.
ثم لاحظت أنَّه يسميها: المسألة «الدينية»، وليست: «الإسلامية». فالكُتَّاب العِلمانيون حريصون، كل الحرص، على إبعاد كلمة «الإسلام» من قاموسهم، ما استطاعوا، واستخدام كلمة «الدين»؛ وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد، وهو التفريق الجازم بين ما هو دين، وما ليس بدين، من شؤون الحياة المختلفة. وهو معنى غريب على الفكر الإسلامي، والحياة الإسلامية.
ومع هذا، غضضت الطرف عن العنوان، وبدأت أقرأ المقال الأول، وأنا أقول في نفسي: هذه بداية طيبة، فما أحوج أبناء مصر، وأبناء العروبة، وأبناء الإسلام، إلى أن يتحاوروا بالفكر، بدل أن يتقاذفوا بالتهم، أو يتقاتلوا بالسلاح!
ولكن، ما إنْ انتهى د. فؤاد زكريا من مقالاته، ومن التعقيب ـ بعد ذلك ـ على منتقديه، حتى شعرت بأن ظني قد خاب في جدية دعوة الدكتور للحوار، مع التيار الإسلامي؛ وذلك لجملة أسباب:
1 ـ أنّ الكاتب لم يكن يحمل قلمًا للحوار، بل سيفًا للهجوم، واستغل المساحة الكبيرة، المعطاة له في الصحيفة، للتشكيك في المسلَّمات الأولية عند الأمة الإسلامية، طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى اجترأ على التشكيك في أنّ الشريعة من عند الله! وزعم أنّ كل ما هو إلٰهيٌّ، ينقلب بشريًّا صرفًا، بمجرد تفسيره وتطبيقه. ومعنى هذا أنَّه لا فائدة، ولا مبرر أن ينزل الله للناس كتابًا، أو يلزمهم بشريعة، يبعث بها رسولًا.