كان آدم وزوجه يسكنان الجنة، ويأكلان منها رغدًا حيث شاءا، وكانت كلُّ حاجتهما مكفيَّة، كما قال الله تعالى لآدم في الجنة: ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ 118 وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ 119 ﴾ .
فلمَّا أهبط الله آدم وزوجه من الجنة، ليقوما وذريتهما بما قُدِّر لهم من الخلافة في الأرض وعمارتها، وعبادة الله فيها: كانت الأرض مهيَّأة لتكون كلُّها وطنًا ومستقرًّا لآدم وذريَّته من بعده، ولهذا قال الله تعالى في القرآن مخاطبًا آدم وزوجه وإبليس معهما: ﴿ قَالَ ٱهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ .
وهكذا كانت الأرض كلُّها في أول الأمر وطنًا لآدم وأولاده، لا تزاحم ولا تنافس، ولا اختصاص بمكان دون مكان.
فلما كثرت ذرية آدم وانتشرت، بدأ الناس يتجمَّعون في أماكن بحكم الطبيعة الاجتماعية للبشر، حتى قال الأقدمون: الإنسان مدني بطبعه. وقال المُحْدَثون والمعاصرون: الإنسان حيوان اجتماعي.
وكان الناس يتجمَّعون في بلدان أو قرى، ويتَّخذ كلٌّ منهم لنفسه ولأهله وولده بيـتًا، يأوي إليه، يكنُّه من القُرِّ والحرِّ، ويستره من أعين الناس، ويمارس فيه خصوصيته. ومن مجموع هذه البيوت تتكوَّن القرية، التي يترابط أهلها فيما بينهم بروابط شتَّى: كالنسب والمصاهرة والجوار والصداقة والزمالة في العمل، والاشتراك في تأمين حاجات القرية، والدفاع عنها.
الوطن والمواطنة