ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي تُشرف عليه الدولة، بواسطة (العاملين عليها)، الذين نصَّ عليهم القرآن.
وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه.
أما الأخلاق والمعاملات فلا يُتصوَّر أن تقوم ـ كما ينشدها الإسلام ـ إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبَّد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.
وقد علَّم الإسلامُ المسلمَ أن يقول إذا ناجى ربَّه في صلاته: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ . فهو يتكلَّم بلسان الجماعة وإن كان وحده، وكذلك إذا دعا ربَّه دعاه بصيغة الجمع: ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ . فالجماعة حيَّة في وجدانه، حاضرة على لسانه.
والمجتمع المسلم مجتمع متميِّز عن سائر المجتمعات، بمكوِّناته وخصائصه، فهو مجتمع ربانيٌّ، إنسانيٌّ، أخلاقيٌّ، متوازن. والمسلمون مُطالَبون بإقامة هذا المجتمع، حتى يمكِّنوا فيه لدينهم، ويجسِّدوا فيه شخصيَّتهم، ويحيَوْا في ظلِّه حياة إسلامية متكاملة: حياة توجِّهها العقيدة الإسلامية، وتزكِّيها العبادات الإسلامية، وتقودها المفاهيم الإسلامية، وتحرِّكها المشاعر الإسلامية، وتضبطها الأخلاق الإسلامية، وتجمِّلها الآداب الإسلامية، وتهيمن عليها القيم الإسلامية، وتحكمها التشريعات الإسلامية، وتوجِّه اقتصادها وفنونها وسياستها: التعاليمُ الإسلامية.
فليس المجتمع المسلم، كما يتصوَّره أو يصوِّره الكثيرون هو ـ فقط ـ الذي يطبِّق الشريعة الإسلامية في جانبها القانوني، وخصوصًا جانب الحدود والعقوبات، فهذا تصوُّر وتصوير قاصر، بل ظالم لهذا المجتمع، واختصار لكلِّ مقوِّماته المتعدِّدة في مقوِّم واحد: هو التشريع. وفي جانب واحد من التشريع: هو التشريع الجزائي، أو الجنائي.