مـقـدمــة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالَمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد عُنِي الإسلام بالمجتمع عنايته بالفرد، فكلٌّ منهما يتأثَّر بالآخر ويؤثِّر فيه. وهل المجتمع إلا مجموعة من الأفراد ربطت بينهم روابط معيَّنة؟ فكان صلاح الفرد لازمًا لصلاح المجتمع، فالفرد أشبه باللبنة في البنيان، ولا صلاح للبنيان إذا كانت لبناته ضعيفة.
كما لا صلاح للفرد إلا في مجتمع يساعده على النمو السليم، والتكيُّف الصحيح، والسلوك القويم. فالمجتمع هو التربة التي تنبت فيها بذرة الفرد، وتنمو وتترعرع في مناخها، والانتفاع بسمائها وهوائها وشمسها. وما كانت الهجرة النبوية إلى المدينة، إلا سعيًا إلى مجتمع مستقلٍّ، تتجسَّد فيه عقائد الإسلام وقِيَمه، وشعائره وشرائعه.
وقد لمسنا في عصرنا محنة الفرد المسلم في المجتمعات التي لا تلتزم بالإسلام منهاجًا لحياتها، ناهيك بالمجتمعات التي تعادي شريعته، وتطارد دعوته، وكيف يعيش هذا الفرد في توتُّر وقلق وحَيرة، نتيجة لما يحسُّ به من تناقض صارخ، بين ما يؤمن به من أوامر دينه ونواهيه من جهة، وما يعايشه ويضغط عليه من أفكار المجتمع ومشاعره وتقاليده وأنظمته وقوانينه، التي يراها مخالفة لتوجيهات عقيدته، وأحكام شريعته، ومواريث ثقافته، من جهة أخرى.