وأكثر من يُتَّهم بالعنف المسلمون، وأكثر من يَتَّهمهم به الغربيون. والواقع يقول: إنَّ الغربيين هم أكثر الناس عنفًا، وإنَّ المسلمين في العالم كله هم ضحايا هذا العنف، ودماؤهم وحرماتهم مستباحةٌ في كل مكان.
وحديثنا في هذه الورقة عن «العنف السياسي» وموقف المسلمين منه.
فما المراد بلفظ: «العنف» في المجال السياسي، الذي ذمَّه مَنْ ذمَّه، وجرَّمه مَن جرَّمه؟ وهل اتِّهام المسلمين بالعنف صحيح؟ وإن صح هذا، فهل الإسلام هو الذي دعاهم إلى العنف؟
فلنحاول أن نحدِّد ـ ولو بالمقاربة ـ مفهوم «العنف» المقصود في بحثنا هذا.
العنف في المفهوم الشائع هو: استخدام القوة المادية أو العسكرية لقهر الخصوم بلا ضابطٍ من شرعٍ أو خلقٍ أو قانون، وبلا مبالاةٍ بما يحدث من جرائها من أضرار على المدنيين والبرآء. وقد يحدث هذا العنف من الأفراد، أو من الجماعات، أو من الحكومات. ولكنَّا نلاحظ ـ عند التطبيق ـ أنَّ بعض الجماعات تُتَّهم بالعنف، وهي منه براء.
ولكنَّ العنف فيما أرى هو: استخدام الشدة والغلظة في غير موضعها، أو في غير أوانها، أو بأكثر ممَّا يلزم، أو بغير حاجةٍ إليها، أو بدون ضوابط استعمالها.
وإنَّما قلت: «الشدة»، ولم أقل: استخدام القوة المادية أو العسكرية، كما هو الشائع والمقصود لدى الكثيرين؛ لأنَّ العنف في نظر الإسلام لا يقتصر على القوة المادية أو العسكرية، بل العنف يشمل فيما يشمل: الكلام والجدال.