لقد أدرك الدارسون والمراقبون للثورة من أول أيامها، أنَّ أشدَّ الأخطار عليها، ما تُثيره المؤسسة الدينية الرسمية حولها من شبهات؛ بل ما توجِّه إليها من اتهامات، من الخروج على وليِّ الأمر الشرعي، والدعوة إلى الفتنة، وإثارة الفوضى، وحمل فكر الخوارج، الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة.
لهذا كان رأيي الذي دافعت فيه عن شباب الثورة، وحقِّهم في التظاهر السلمي، وهو نوعٌ من الجهاد بالكلمة، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد بسندٍ صحيح: «أفضلُ الجهاد كلمةُ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائر»(1)، وغير ذلك من النصوص، كان أمضى سلاح، وأقوى ردع، تدافع به الثورة عن نفسها.
وعندما نجحت الثورة المصرية، أو قل: ظننَّا أنَّها نجحت، كان نزولي إلى القاهرة لإلقاء خطبة «جمعة النصر» في ميدان التحرير، التي استقبلها كلُّ «أبناء مصر» مسلمين ومسيحيين، بالترحيب والتهليل والتكبير، كما شهد بذلك الملايين، وأحمد الله أنَّ أبناء الشعب المصري عامَّة، كانوا أصدق حسًّا وأكثر وعيًا بدوري وموقفي، لقد عرَفوا موقفي، وشهدوا به، وعبَّروا عنه، ولله الفضل والمنَّة.
وقد تجلَّى ذلك بكلِّ وضوح في استقبال شباب مـيـدان التحـريـر، كـلِّ الشباب ـ وهم بالملايين ـ للقرضاوي وتحيَّته التي استمرَّت لدقائق، وهذا مسجَّل في القنوات المصرية والجزيرة وغيرها.