لذلك هيَّأ الإسلام للإنسان المسلم البيئة الطبيعيَّة التي يعيش فيها محتفظًا بإنسانيَّته، بكل خصائصها ومقوِّماتها وأدواتها المعينة، متمتِّعًا بما هيَّأه الله له من طيِّبات الحياة وزينتها، لا يحرِّم حلالًا، ولا يحلِّل حرامًا، كما قال تعالى: ﴿ ۞ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَٱشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوٓا ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ 31 قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْـَٔايَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 32 ﴾ .
وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَـٰنًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .
وحمى الإسلام الكليات الخمس ـ أو الست(1) ـ المحرَّم الاعتداء عليها في الأديان السماوية: الدين، والنفس، والنسب، والمال، والعقل، والعرض. وقرَّر حقوق الإنسان، أيًّا كان لونه أو جنسه، أو وطنه أو وظيفته، لا يجوز لإنسان مهما ظن نفسه أقوى بأيِّ صورة من صور القوة وصلت إليه، بحقٍّ أو بغير حقٍّ: أن يعتديَ على حقِّ أحد في حريته، أو في كرامته، أو في دينه، أو في عَيْشه، أو أي شيء يضيِّق به عليه. ومن حقِّ المعتدَى عليه أن يعترض، ومن واجب الناس أن يدافعوا عنه ويعاونوه، ويقولوا لكلِّ من يناوئه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!(2).
حمى الإسلام هذه الضرورات أو الكليات من أن يعتدي عليها معتدٍ فشرع الحدود والقصاص، وجعل العدوان على واحدة منها جريمة يُعاقب عليها، فقد شرع حدّ الرِّدَّة للمحافظة على الدين، وجعل عقوبة شرب الخمر للمحافظة على العقل، وشرع حدَّ الزنى للمحافظة على النسب، وحدَّ السرقة للمحافظة على المال، وحدَّ القذف للمحافظة على العِرض، وجعل القِصاص والدِّيَات وأروش الجراحات للمحافظة على النفس الإنسانية والجسد الإنساني.