حمى الإسلام هذه الضرورات أو الكليات من أن يعتدي عليها معتدٍ فشرع الحدود والقصاص، وجعل العدوان على واحدة منها جريمة يُعاقب عليها، فقد شرع حدّ الرِّدَّة للمحافظة على الدين، وجعل عقوبة شرب الخمر للمحافظة على العقل، وشرع حدَّ الزنى للمحافظة على النسب، وحدَّ السرقة للمحافظة على المال، وحدَّ القذف للمحافظة على العِرض، وجعل القِصاص والدِّيَات وأروش الجراحات للمحافظة على النفس الإنسانية والجسد الإنساني.
وهذه الحدود أو العقوبات هي أكثر الأمور التي تخالفها القوانين الوضعية في البلاد الإسلاميَّة، وأكثر الأمور التي يثير أعداء الحل الإسلامي حولها الشبهات والاعتراضات.
وهناك العقوبات التعزيرية التي ترك الشارع تحديدها لاجتهاد أُولي الشأن من المسلمين، وذلك ما كان من مخالفات لم يقدِّر الشارع فيها حدًّا ولا كفارة، والتي قد تصل في بعض الجرائم إلى القتل، كالجاسوس مثلًا.
فالفقه الإسلامي قد اهتم بما ابتُلي به بعض الناس من: انحراف عن التوجيه الإسلامي والتشريع الإسلامي، وميل إلى أهواء النفس، وهي كما قال القرآن على لسان امرأة العزيز: ﴿ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ﴾ . وقد يتبع الناس الشياطين من الجن والإنس، ويسمعون كلامهم، ويسيرون وراءهم، وهو ما حذَّر منه القرآن: ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ﴾ .
فعملت الشريعة بكلِّ قوَّة على تطهير المجتمع من أسباب الجريمة، وتربية الأفراد على حياة الاستقامة، ولكنَّها مع هذا لم تكتفِ بالوازع الأخلاقي ـ وإن حرصت عليه كلَّ الحرص ـ ولم تقتصر على التربية وحدها، وإن كانت تراها فريضة وضرورة دينية واجتماعية، ولكن في الناس مَن لا يرتدع إلَّا بعقوبة زاجرة، ولا تكفيه الموعظة الحسنة، ولا التوجيه الرشيد، ولهذا كان لا بدَّ من سوط السلطان، بجوار صوت القرآن، حتى جاء عن عثمان 3 : إنَّ الله ليَزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن!(1).