وكما يمتدُّ الإسلام في حياة المسلم طُولًا وعَرْضًا، يمتدُّ فيها عُمْقًا، فهو ليس مع المسلم في أحواله المادية والظاهرية فحسب، التي يُعنى بها رجال القانون، ولكنَّه مع المسلم أيًّا كان وضعه، من ذكر أو أنثى، من حاكم أو محكوم، من غني أو فقير؛ في كل شؤونه وأحواله، الماديَّة والروحيَّة، والفكريَّة والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة والبيئية، إنَّه مع المسلم بأوامره ونواهيه، وتشريعاته ووصاياه، في تفكيره وثقافته، وفي عواطفه ومشاعره، في أكْلِه وشُربه، وفي مَلْبَسه، وفي زِينته، وفي مِشيته وجِلسته، وفي فرَحه وحُزنه، وفي ضَحِكه وبكائه، وفي نومه ويقظته، وفي جِدِّه وهزْله، وفي خلوته وجلوته.
لا يغفل الإسلام أنَّ الإنسان مخلوق ركَّبه الله تركيبًا عجيبًا، فهو مخلوق من طين، والطين لا يخلو من الكَدَر، ولكنَّ الله سواه ونفخ فيه من روحه، حين طلب من الملائكة أن تسجد تحية له، وطرد إبليس من حضرته حين رفض ذلك. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّى خَـٰلِقٌۢ بَشَرًا مِّن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُۥ سَـٰجِدِينَ 29 فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30 إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ 31 قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ 32 قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُۥ مِن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 33 قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 34 وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ 35 قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ 36 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ 37 إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ 38 قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 39 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ 40 قَالَ هَـٰذَا صِرَٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ 41 ﴾ .
إنَّه مع المسلم في علاقته بنفسه، وفي علاقته بربِّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفي علاقته بأسرته، وفي علاقته بجيرانه وعُشَرائه، وفي علاقته بمجتمعه وأمته، وفي علاقته بأهل مِلَّته، وفي علاقته بمخالفي دينه، وفي علاقته بالعالم من حوله، مسالمين ومحاربين، وبالكون كله: أرضه وسمائه، ما يُرى وما لا يرى، ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ۚ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ .