******
1
حاجة أمتنا اليوم إلى فقه الأولويّات
تمهيــد:
من المفاهيم المهمة في فقهنا اليوم: ما نَبَّهتُ عليه في عدد من كتبي، وهو ما أسميته «فقه الأولويّات»، وكنت أطلقت عليه قبل ـ وخصوصًا في كتابي: «الصحوة الإسلاميَّة بين الجحود والتطرف» ـ : «فقه مراتب الأعمال».
وأعني به: وضع كل شيء في مرتبته بالعدل، من الأحكام والقِيَم والأعمال، ثم يُقدَّم الأَوْلى فالأَوْلى، بناء على معايير شرعية صحيحة، يهدي إليها نور الوحي، ونور العقل: ﴿ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ﴾ .
فلا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل، أو الأفضل.
بل يقدم ما حقه التقديم، ويُؤخِّر ما حقه التأخير، ولا يكبِّر الصغير، ولا يُهوِّن الخطير، بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم، بلا طغيان ولا إخسار، كما قال تعالى: ﴿ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ 7 أَلَّا تَطْغَوْا فِى ٱلْمِيزَانِ 8 وَأَقِيمُوا ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا ٱلْمِيزَانَ 9 ﴾ .
وأساس هذا: أنَّ القِيَم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتًا بليغًا، وليست كلها في رتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلي ومنها الفرعي، ومنها الأركان ومنها المكملات، ومنها ما موضعه في الصُّلب، وما موضعه في الهامش، وفيها الأعلى والأدنى، والفاضل والمفضول.