والواقع يُحتِّم أن يكون العمل المثمر جماعيًّا، فاليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قويٌّ بجماعته، والأعمال الكبيرة لا تتمُّ إلَّا بجهود متضافرة، والمعارك الحاسمة لا يتحقق النصر فيها إلَّا بتضامِّ الأيدي، وتعاضد القُوى، كما قال القرآن: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَـٰنٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ .
ولا بدَّ أن يكون العمل الجماعي منظَّمًا، قائمًا على قيادة مسؤولة، وقاعدة مترابطة، ومفاهيم واضحة، تحدِّد العلاقة بين القيادة والقاعدة، على أساس من الشورى الواجبة المُلْزِمة، والطاعة المُبصرة اللازمة.
فالإسلام لا يعرف جماعة بغير نظام، حتى الجماعة الصغرى في الصلاة، تقوم على النظام، لا ينظر الله إلى الصف الأعوج، ولا بدَّ للصفوف أن تتراصَّ وتتلاحم، ولا يجوز ترك ثُغرة في الصف دون أن تُملأ. فأيُّ فرجة تُهمَل يسدُّها الشيطان. المنكب بجوار المنكب، والقدم بجانب القدم. وحدة في الحركة والمظهر، كما أنَّها وحدة في العقيدة والوجْهة: «لا تَخْتَلِفُوا فتختلفَ قلوبُكم»(1).
يُعدِّل الإمامُ الصَّفَّ خلفَه حتى يستقيم ويتَّصل، وينصح مَنْ وراءه أن «لينوا بأيدي إخوانكم»(2). فالجماعة تقتضي قدرًا من الليونة والمرونة لموافقة سائر الصف.