خصائص الفقه الإسلامي
لقد علم الدارسون لهذا الفقه، المتعمقون في فهمه، أنَّه فقه أصيل كل الأصالة، متفرد بخصائصه ومميزاته التي جعلته نسيجَ وحدِه بين قوانين العالم وفقهها فهو متميز في مصادره وأسسه وأهدافه واتجاهاته ووسائله.
إن هذه الخصائص والمميزات للفقه الإسلامي ـ وإن شئت قلت: للشريعة الإسلاميَّة ـ لتستحق أن يؤلف فيها كتاب، بل كتب، ولكنِّي أجتزئ هنا بكلمات موجزة، تشير إلى معالم هذه الخصائص أو جلها، وإن لم توضحها تمام التوضيح.
1 ـ الأساس الرباني:
لقد تميّز هذا الفقه ـ قبل كل شيء ـ بأساسه الرباني، فمصدره الأول هو الوحي الإلٰهي، الذي وضع الأصول والقواعد ووضح الأهداف والمقاصد، وضرب الأمثلة، وبين الطريق وهدى إلى الصراط المستقيم، وكل دارس للقرآن الكريم دراسة علمية موضوعية يخرج بيقين جازم أن هذا النّص يستحيل أن يكون مصدره بشرًا أو أي مخلوق كان، وإنَّما هو كلام رب الناس ملك الناس، إلٰه الناس.
ولهذا المعنى كان لهذا الفقه من القبول والاحترام والانقياد لأحكامه لدى الأمة حكَّامًا ومحكومين، ما لم يحظ به أي قانون آخر من القوانين التي وضعها البشر منذ قانون حمورابي، إلى قانون نابليون، إلى أحدث قوانين العصر. ذلك لأن أمتنا تنظر إلى هذا الفقه وإلى العمل به والانقياد له، على أنَّه عبادة وقربة إلى الله كالصلاة والصيام؛ بل ترى أن تقبل أحكامه بالرضا والتسليم، وانشراح الصدر أمر لا يتم الإيمان إلَّا به، وخاصة في الأحكام التي جاء بها نص صحيح الثبوت، صريح الدلالة ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .