وحلّ النبي ﷺ مشكلة كبيرة في كثير من الأديان، وهي مشكلة القدر، ذلك أنَّه كان يقال: إذا كان ربنا قدَّر علينا المرض، فهل نحادُّ القَدَر أو نخالفه؟ وإذا كان قدر علينا الموت، فنحن حتمًا سنموت، فلِمَ السعي إلى العلاج؟ ولهذا سأل الصحابة رسول الله ﷺ ، قالوا: يا رسول الله، أرأيت أدويةً نتداوى بها، ورُقًى نسترقيها، وتُقاة نتقيها: هل تردُّ من قدر الله شيئًا؟ فكان جوابـه الحـاسـم قال: «هـي مـن قَدَر الله»(1).
وهذا الجواب في غاية الحكمة والرَّوْعة، فكما أنَّ الأمراض من قدر الله، فإنَّ الأدوية والعلاج أيضًا من قدره، فكما يشمل القدر المسبَّبات، يشمل الأسباب كذلك، ومن أجل هذا شرع لنا الإسلام أن نتداوى بكل أنواع التداوي، وبهذا ندفع قدرًا بقدر.
وقد كان للمسلمين في الطب باعٌ واسع، ودور كبير، وكان للأطباء في حضارة الإسلام مكان عظيم، وأطباء المسلمين كانوا أشهر الأطباء في العالم، والمراجع الطبية العلمية عند المسلمين كانت أشهر المراجع العالمية: الحاوي للرازي، والقانون لابن سينا، والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي، والكليات لابن رشد، وغيرها.
ولم يكن هناك أي تعارض بين العلم والدين، أو بين الطب والدين، بالعكس نجد ابن رشد يؤلِّف في الفقه: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ويؤلف في الطب «الكليات»، وكان الناس يلجؤون إلى فتواه في الطب، كما يلجؤون إلى فتواه في الفقه. ونجد ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، من فقهاء الشافعية، ترجم له التاج السبكي في طبقات الشافعية(2)، ونجد الفخر الرازي وهو مؤلف «التفسير الكبير»، و«المحصول في علم الأصول» وغيرهما، كانت شُهرته في الطب لا تقلُّ عن شهرته في التفسير وعلوم الدين.