ومن نعم الله علينا ـ نحن المسلمين ـ أنَّ الله تعالى أكرمنا بشريعة خالدة، أقامها على رعاية مصالح العباد في المعاش والمعاد: مصالحهم المادية، ومصالحهم المعنوية، مصالحهم الفردية، ومصالحهم الجماعية، وأودعها من المبادئ والقواعد والمعاني، ما جعلها صالحة لكل زمان ومكان، إما بنصوصها الناطقة: من آيات القرآن، أو من أحاديث الرسول الصحاح، وإما بالاجتهاد والاستنباط، بالقياس عليها، وإلحاق ما لا نصّ فيه بما فيه نصّ، للاشتراك في علة الحكم، وإما برعاية المقاصد الشرعيَّة، والمصالح الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، التي هدفت إليها الشريعة، وإما بمراعاة المصالح المرسلة، التي تحقق خيرًا للناس، أو تدفع شرًّا عنهم، ولم يأتِ من الشارع نصّ جزئي باعتبارها ولا بإلغائها، وإما بإعمال القواعد الشرعيَّة التي استنبطها العلماء من تدبُّر النصوص، ومن استقراء الأحكام الجزئية، مثل قواعد: «الضرورات تبيح المحظورات»، «الحاجة قد تُنَزَّل منزلة الضرورة»، «الضرر يزال بقدر الإمكان»، «الضرر لا يُزال بضرر مثله أو أشد منه»، «يُتحمَّل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى»، «يُفوَّت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما»، «للأكثر حكم الكل»، «النادر لا حكم له»، «المشقة تجلب التيسير»، «إذا ضاق الأمر اتسع»... إلخ هذه القواعد التي عُني العلماء بتأصيلها وتقعيدها، لحاجتهم إلى الرجوع إليها عند الاجتهاد والفتوى.
ومن المعروف أن بناء الأحكام الجزئية على القواعد الكلية والمبادئ العامة مسلك أصولي معتدٌّ به عند الفقهاء، تُعرف به أحكام الشرع في الوقائع النازلة، وهو يعطي الشريعة الخالدة مرونة وسَعة، بحيث لا تضيق ذرعا بجديد، ولا تعجز عن إيجاد حلٍّ لكل مشكلة.
ولهذا دخلت الشريعة بلاد الحضارات القديمة: الفارسية، والبابلية، والهندية، والرومانية، والفرعونية.. وغيرها، فما ضاق فقهها بمُشكِل، أو توقفت عن الإجابة في واقعة، وهي اليوم ـ كما كانت بالأمس ـ غنيَّة بالإجابة عن كل التساؤلات، والحلول لكل المشكلات، ومنها قضية زرع الأعضاء.
والحق أنِّي شُغلتُ بهذا الموضوع، واهتممتُ به من زمن بعيد، منذ بدأ يفرض نفسه على الساحة العلميَّة والفقهيَّة في بلادنا العربية والإسلاميَّة، ولا سيما بعد الانتشار المخيف لمرض (الفشل الكُلَوي).