وقد ثار نقاش مهمٌّ منذ سنين حول (أصول الفقه) وهل تقبل الاجتهاد والتجديد مثل فروع الفقه؟ أو أنَّ أصول الفقه قطعية، لا مجال فيها لتجديد أو تطوير أو اجتهاد؟
والحق أنَّ أصول الفقه ـ مثل فروع الفقه ـ منها ما هو قطعي لا يقبل تجديدًا ولا تطويرًا، مثل مصدرية الكتاب والسُّنَّة، وما استنبط منهما من قواعد قطعية، مثل: «التكليف بحسَب الوُسْع»، و«الأمور بمقاصدها»، و«لا ضررَ ولا ضِرار».
ومنها: ما هو ظنِّي يقبل الاجتهاد والتجديد، ولهذا اختلف فيه الأصوليون، وأكثر مسائل الأصول كذلك. وهذا ما جعل عالمًا محققًا كبيرًا مثل الإمام محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250هـ) يؤلف كتابه الشهير الذي سمَّاه «إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول».
ومع ما بذله الشوكاني من جهد، فهو لم يقل الكلمة الأخيرة، ومن حقِّ مَنْ بعده أن يخالفه فيما رجَّحه.
على أنَّ هناك أمورًا لم تأخذ حقَّها من البحث والتحقيق والتعميق، مثل: السُّنَّة التشريعية وغير التشريعية.
ولا زال موضوع «مقاصد الشريعة» قابلًا للإضافة، كما فعل الإمام الشاطبي في القرن الثامن، والعلامة ابن عاشور في عصرنا.
ولا زلنا في حاجة إلى مراجعة فقه الصحابة والتابعين مراجعة شاملة دقيقة، والنظر بعمق في مآخذهم ومستنداتهم؛ لنعرف بوضوح ما الأصول التي كانوا يعتمدون في فقههم واجتهادهم عليها ويستندون إليها؟ وهم خير القرون، الذين بهم يُقتدَى فيُهتدَى.