فقد وفَّقني الله تعالى ـ منذ دخلتُ ميدان الدعوة والإفتاء والتعليم ـ بفضله ومنَّته، إلى الالتزام بالمنهج الوسطي المجدِّد المتوازن، الذي يمثِّل منهج الأمة الوسط، كما سمَّاها كتاب الله الكريم: ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ . بعيدًا عن تحريف الغالين المتنطِّعين، وتزييف المتسيِّبين المفرِّطين. وهو منهج النبيين والصديقين والشهداء والصالحين(1)، الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ 6 صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ 7 ﴾ ، وهو الدعاء القرآني الذي يجب على كلِّ مسلم أن يكرِّره في صلواته كلَّ يوم سبع عشرة مرَّة على الأقل إذا اقتصر على الفرائض.
كما أشار إليه القرآن مرة أخرى، في حديثه تعالى عن «الميزان العام» الذي غرسه الله في الفِطر والعقول، وقرنه تارة بإنزال الكتاب، وتارة برفع السماء. فقال تعالى: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ ، ﴿ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ 7 أَلَّا تَطْغَوْا فِى ٱلْمِيزَانِ 8 وَأَقِيمُوا ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا ٱلْمِيزَانَ 9 ﴾ . فهنا نبَّه القرآن إلى المنهج الذي لا طغيان فيه ولا إخسار في الميزان. أي لا غُلوَّ ولا تقصير، لا إفراط ولا تفريط. وهو المنهج الوسط الذي ندعو إليه.
وهو منهج تلاءم مع فطرتي وعقلي، وانسجم مع فَهمي للإسلام من ينابيعه الصافية، كما تواءم مع منطق العصر، وحاجات الأمة فيه، وعلاقتها بغيرها من الأمم في عصر تقارب الناس فيه حتى غدا العالم قرية واحدة.
وقد نذرتُ لهذا المنهج نفسي وعمري، وأعطيتُه فكري ووجداني، ودعوتُ إليه بلساني وقلمي: إذا حاضرتُ أو خطبتُ، وإذا فقَّهتُ أو أفتيتُ، وإذا علَّمتُ أو ربَّيتُ، في كلِّ آليات اتِّصالي بالناس: على المنبر في المسجد، أو في قاعة المحاضرة، أو في حلبة التأليف، أو على شاشات الفضائيات، أو على الإنترنت.