وثمرات الاجتهاد يمكن أن تضيع: إذا لم تجد من أهل القوة مَن يتبنى تنفيذها، كما أنّ مكاسب الجهاد يمكن أن تضيع: إذا لم تجد من أهل العلم مَن يضيء لها الطريق.
وفي عصورنا الإسلامية الزاهرة مضى هذان الأمران جنبًا إلى جنب: الاجتهاد والجهاد. فسعدت الأمة بوفرة المجتهدين من حملة القلم، ووفرة المجاهدين من حملة السيف. الأولون لفَهم ما أنزل الله من الكتاب والميزان، والآخرون لحمايته بالحديد ذي البأس الشديد، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ﴾ .
وفي بعض العصور: وُجِد الجهاد، لكن لم يصحبه الاجتهاد، فجمدت الحياة الإسلامية وتحجَّرت، على حين كانت المجتمعات غير المسلمة قد بدأت في اليقظة والتفتُّح والنهوض.
ثم تلت عصور أخرى فقد المسلمون فيها الاجتهاد والجهاد معا، فغُزُوا في عُقر دارهم، وفقدوا سيادتهم واستقلالهم ووحدتهم.
ثم نادى منادي الجهاد لتحرير الأرض، وحصل المسلمون على استقلالهم، ولكنه كان استقلالًا ناقصًا قاصرًا؛ إذ الاستقلال الحقيقي أن يتحرَّروا من آثار الاستعمار التشريعي والثقافي والاجتماعي، إلى جوار التحرُّر من الاستعمار العسكري والسياسي، ويعودوا إلى ذاتيتهم الأصيلة، وهذا لا يكون إلا إذا كانت شريعة الإسلام أساس حياتهم كلِّها: الروحية والمادية، الفردية والاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، التشريعية والتربوية، الفكرية والعملية.