وقد يكون البيان بعد سؤال واستفتاء، بصيغة «يسألونك»، وهو أكثر ما جاء في القرآن من صِيَغ السؤال؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ ﴾ ، ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ﴾ ، ﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْـَٔايَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ . أو بصيغة «يستفتونك» مثل قوله تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ ﴾ ... إلخ.
وقد تنزل الآيات جوابًا عن سؤال بغير صيغة «يسألونك» أو «يستفتونك»، مثل ما أخرجه الترمذي: أنَّ رجلًا سأل النَّبي ﷺ فقال: إنِّي إذا أصبتُ اللَّحْم انتشرتُ للنساء، وأخذتني شهوتي، فحرمتُ عليَّ اللحم. فأنزل الله تعالى: ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ 87 وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلًا طَيِّبًا ۚ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤْمِنُونَ 88 ﴾ (1). ومثلها من الآيات كثير، كما توضح ذلك أسباب النزول.
وفي السُّنّة قد يُبَيِّن الرسول ﷺ بعض الأحكام ابتداءً دون سؤال من أحد: نفيًا لوهم، أو تصحيحًا لفهم، أو تعليمًا لجاهل، أو تثبيتًا لمتعلِّم، أو تخصيصًا لعامٍّ، أو تقييدًا لمطلق، أو نحو ذلك من أنواع البيان النبوي للكتاب العزيز.
وفي السُّنّة ما يكون جوابًا لسؤال، وهو كثير، من ذلك ما سأله أبو موسى الأشعري قال: يا رسول الله، أفتِنا في شرابَيْن كنا نصنعهما باليمن: البِتْع ـ وهو من العسل، يُنبذ حتى يشتد ـ والمِزْر، وهو من الذُّرة والشَّعِير، يُنبذ حتى يشتد، فقال: «كلُّ مُسْكِر حرامٌ»(2).
وسأله طارق بن سُوَيْد عن الخمر، فنهاه أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواءٍ، ولكنه داء»(3).