وهي ثانيًا: مكتوبة بروح الاستقلال العلمي، والتحرُّر من رِبْقَة التمذهب والتقليد والتعصُّب لرأي بعينه. فصاحبها لا يرجع إلا إلى الكتاب والسُّنّة وأصول الشريعة.
وقد كان الشيخ 5 من المتمكِّنِين في فهم القرآن، المتبحِّرين في علوم السُّنَّة، الفاقهين لرُوح الشريعة، إلى جوار معرفته بعَصْره، وإحاطته بقضاياه وتياراته، وموقف الفرد المسلم والأمة المسلمة إزاء ذلك كله.
وهي ثالثًا: تحمل روح الإصلاح والدعوة إلى الإسلام الشامل المتوازن، فهي ليست مجرد جواب عابر عن سؤال طارئ، بل هي رسائل تثقيف وتوعية وتوجيه إلى هداية القرآن وعدالة الإسلام، وتحذير من دسائس الكائدين له وتضليل الحاقدين عليه، وتعبئة للأمة المسلمة لتستيقظ وتتأهَّب وتتساند لتبني حضارتها، وترد كيد أعدائها.
وهي ـ والحقّ يقال ـ موسوعة علمية عصرية، لا يستغني عنها عالم مسلم، يهتمُّ بهذا العصر ومشكلاته.
وليس معنى هذا أنّ كلّ ما فيها صواب مائة في المائة (100 %) ـ على حد تعبير علم الحساب ـ فهذا غير مُستطاع لبشرٍ غير معصوم، وحسْب العالم أن يكون الصوابُ أغلبَ على فتاويه، وأن يكون الإسلام محور تفكيره، وهداية الناس إليه غاية سعيه. وما أخطأ فيه بعد ذلك، فهو فيه معذور، بل مأجور، ما دام بعد تحرٍّ واجتهاد.
· فتاوى الشيخ شلتوت:
وعلى نهج فتاوى الشيخ رشيد رضا، جاءت من بعده فتاوى الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر الأسبق 5 ، فالرُّوح هي نَفْس الرُّوح، والنَّهْج هو نفس النهج، وإن كان السيد رشيد يمتاز بطُول باعه في معرفة السنة وعلوم الحديث، وهو الأمر الذي قصَّر فيه كثير من المشتغلين بالفقه في عصرنا، وفيما قبل عصرنا بقرون، إلا من رحم الله.