وقال الإمام الشاطبي: المفتي قائم في الأمة مقام النبي ﷺ (1)، في بيان أحكام الشرع للناس، حيث يقول لهم: هذا حلال، وهذا حرام.
واعتبر الإمام ابن القيم المفتي بمثابة مَن يوقِّع عن الله 2 ، كالذين يعتمدهم الخلفاء والملوك للتوقيع نيابة عنهم. وهم الذين صنف لهم كتابه: «إعلام الموقعين عن رب العالمين» فأيُّ منصب يداني هذا المنصب؟
ونحن نقرأ في كتاب الله تعالى أن الله سبحانه قد تولَّى إفتاء عباده في بعض المسائل، كما قال جلَّ شأنه: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ ﴾ ، ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَآءِ ۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾ .
وجاء الاستفتاء بصيغة: ﴿ ۞ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْـَٔايَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ 219 فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 220 ﴾ . إلى آخر الآيات التي جاء فيها السؤال من المؤمنين، وجاءت الإجابة من ربِّ العالمين. وهذا كلُّه يدلُّنا على أهمية الإفتاء، ومنزلة المفتي. حيث نسب 8 الإفتاء إلى ذاته، فهو أعلم وأعظم، وأكرم مَن أفتى.
وممَّا لا يخفى على باحث: أنّ المسلمين وحدهم؛ هم الأمة التي تسأل عن أحكام دينها، لتعرف المقبول من المردود في العبادات، والحلال من الحرام في المعاملات، ولا يوجد أمة في الأرض ـ كتابية أو وثنية ـ عندها مثل هذا الاهتمام. ولها أنشئت مؤسسة الإفتاء في البلاد الإسلامية، وخصوصًا في الدولة العثمانية، كما أنشئ منصب «المفتي» في كثير من الأقطار، وهو يعدّ المنصب الديني والعلمي الأوّل، إلا في قليل من البلاد مثل: مصر، حيث يعد منصب «شيخ الأزهر» هو: المنصب الأول والأعلى.