وممَّا لا يخفى على باحث: أنّ المسلمين وحدهم؛ هم الأمة التي تسأل عن أحكام دينها، لتعرف المقبول من المردود في العبادات، والحلال من الحرام في المعاملات، ولا يوجد أمة في الأرض ـ كتابية أو وثنية ـ عندها مثل هذا الاهتمام. ولها أنشئت مؤسسة الإفتاء في البلاد الإسلامية، وخصوصًا في الدولة العثمانية، كما أنشئ منصب «المفتي» في كثير من الأقطار، وهو يعدّ المنصب الديني والعلمي الأوّل، إلا في قليل من البلاد مثل: مصر، حيث يعد منصب «شيخ الأزهر» هو: المنصب الأول والأعلى.
ومن أجل هذا صنفت الكتب في شروط المفتي، وأدب المفتي، وأدب المستفتي، وعقدت في عصرنا المؤتمرات من أجل ذلك. وخصوصًا بعد انتشار الفضائيات، وظهور المفتين «على الهواء» الذين يفتون في كل شيء، ولا يقول أحدهم مرة: لا أدري! أو هذا السؤال يحتاج إلى بحث أو مراجعة، أو مشاورة. وقد قال بعض السلف: من أخطأ قول «لا أدري»، فقد أصيبت مقاتله(1).
ومن أجل هذا أصدرنا كتابنا من قبل: «الفتوى بين الانضباط والتسيب» ونصدر رسالتنا هذه عن «موجبات تغيُّر الفتوى في عصرنا» لنعين أهل الفتوى على سلوك المحجة البيضاء، وتحرّي الحق والصواب ما استطاعوا، والتعب في البحث عن الحقيقة، ثم استعانة المفتي بالله تعالى أن يسدده وينور بصيرته. كما قال بعض السلف: إذا أشكل عليك أمر فقل: يا معلّم إبراهيم علّمني، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ﴾ ، ﴿ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ .
كما علَّمنا النبي ﷺ أن نقول: «اللهمَّ ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِمَا اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»(2).