قول بإيجاب عتق الرقبة أولًا، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا. وهذا هو رأي جمهور الفقهاء، وما جاءت به معظم روايات الحديث الواردة في ذلك.
والقول الثاني، هو التخيير بين الأمور الثلاثة: العتق، أو الصيام، أو الإطعام، وهو رأي الإمام مالك. وهو الذي كان ينبغي أن يفتي به الإمام يحيي بن يحيي 5 ، ولكنه عدل عنه، لما ذكره من أن العتق سهل عليه، لغناه وسَعة ماله، فلا يزجره، بخلاف الصيام، فهذه مصلحة قدَّرها في مقابلة النصِّ، الذي يُلزمه بالعتق على قول الجمهور، أو يخيِّره فيه على قول مالك.
وقد علقتُ على هذه الفتوى الشاذة في كتابي «الاجتهاد في الشريعة الإسلامية»، وقلت: إنّ الفقيه هنا نظر إلى مصلحة الردع للأمير، وغفل عن مصلحة أخرى أهم وأكبر، وهي مصلحة الرقاب التي تُحرَّر وتُعْتَق، وتخرج من الرِّق ـ الذي اعتبره الشرع بمثابة الموت ـ إلى الحرية ـ التي هي بمثابة الحياة ـ ولهذا اعتبر القرآن والسنة «فكّ الرقبة» من أعظم القُرُبات عند الله.
وهكذا كلُّ المصالح المصادمة للنصوص، لا تكون مصالح إلا في وَهْم مُدَّعيها: ﴿ قُلْ ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ ﴾ ، ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ (1).
وهذا ما أثبته الواقع والاستقراء للمصالح المصادمة للنصوص، فهي عند التأمُّل العميق والتحليل الدقيق ليست مصلحة حقيقية، بل موهومة، زيَّنها لصاحبها: القصور، أو الغفلة، أو الهوى، أو التقليد للآخرين.