الآدمية في المسلم والكافر:
فإذا أضفنا إلى كل ما مرَّ أن آدمية الإنسان سبب في تكريمه تصديقًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ .
وأنّ من أغراض هذه الشريعة تحقيق المعنى الإنساني كما ينبغي في هذه الأرض، رأينا أن العدول عن رأي الجمهور عدول إلى ما لا يلتفت إليه، وسعي وراء ما لا يتفق مع روح شريعة إنسانية حققت كرامة الإنسان.
وليس بدعًا بعد هذا أن نرى الإمام النووي لا يعبأ بمخالفة الاتجاه في المسألة، ويعتبر الإجماع منعقدًا على ما ذكرناه.
قال في شرحه لصحيح مسلم: «وأمّا الكافر، فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم. هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف. وأما قول الله 8 : ﴿ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ ، فالمراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار، وليس المراد أنّ أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما.
فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلمًا كان أو كافرًا، فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات، سواء كان مُحْدِثًا أو جُنُبًا أو حائضًا أو نفساءَ، وهذا كلّه بإجماع المسلمين»(1).
والآن: وبعد الذي عرضنا من موقف الظاهرية في التأويل، نودُّ أن نقرّر مرّة أخرى: أنّ طريق الجادة في التأويل هو طريق الجمهور، فهو يتسم بالاعتدال والانسجام مع روح الشريعة ولغتها. فلا جمود عند الظاهر الذي قد يؤدي إلى البعد عن مدلول الخطاب في اللغة، ولا انحراف مع الهوى بتأويلات فاسدة ظالمة، تنأى بالمسلم عن كتاب الله وبيانه، واللغة التي كانت لسان الوحي وسبيل البيان(2).