والآن: وبعد الذي عرضنا من موقف الظاهرية في التأويل، نودُّ أن نقرّر مرّة أخرى: أنّ طريق الجادة في التأويل هو طريق الجمهور، فهو يتسم بالاعتدال والانسجام مع روح الشريعة ولغتها. فلا جمود عند الظاهر الذي قد يؤدي إلى البعد عن مدلول الخطاب في اللغة، ولا انحراف مع الهوى بتأويلات فاسدة ظالمة، تنأى بالمسلم عن كتاب الله وبيانه، واللغة التي كانت لسان الوحي وسبيل البيان(1).
رفض ابن حزم موافقة البِكْر على زواجها بالنُّطْق الصَّريح:
ومن أقوال ابن حزم التي شذّ بها عن جمهور الأمة، ما قاله في حديث: «البِكْرُ تُستأذن، وإذنها صُماتها».
فقد فهم الأئمة الأربعة، وجمهور الأمة من الحديث: أنّ صمت البكر عند استئذانها في زواجها من رجل، يدلُّ على رضاها، ويقوم مقام كلامها؛ لأنّها في الغالب تستحي أن تتكلم بالموافقة صراحة. ولكن لو أنها تكلمت، وقالت بصريح العبارة: أنا موافقة. فإن جمهور الأمة، يقبلون ذلك منها، من باب أولى؛ لأنه أصرح دلالة على رضاها.
ولكن ابن حزم يخالف في ذلك، ويرى أنها إذا تكلمت مصرّحة بالرضا والقول، فلا ينعقد بهذا النكاح عليها؛ لأنه خلاف الحديث النبوي(2)!
قال ابن القيم: وهذا هو اللائق بظاهريته(3)!